الجزء الأول من كتاب: لغة الكون الإلهية. الإستيقاظ

أشياء في حياتي لم تكن على ما يرام. اجتهدت سنين، وكل ما حلمت به لم أحققه، بل إنني لم أقترب حتى من تحقيقه. كل ما حاولت أن أضعه تحت سيطرتي انفلت منها. جعلت من شعري مكنسة للجميع، ولم يقدر أحد قيمة ذلك. دائما كان الأسوأ بانتظاري كنت قد تعبت من معاتبة نفسي، بالرغم من أنني حاولت جاهدا أن أكون الإنسان الخير النموذجي الذي أرادني مجتمعي أن أكونه، إلا أنني كنت مثل السيارة العالقة بالرمال، كلما حاولت أن أجعل السيارة تتقدم كنت أدفن أكثر، وأحس أنني في مأزق لا مخرج منه. إلى أن أدركت أن كل ما أخافه يتحقق، حينئذ بدأت لحظة الاستيقاظ

الجزء الأول من كتاب: لغة الكون الإلهية. الإستيقاظ

مقتطف من كتاب : لغة الكون الإلهية.. الإستيقاظ

للكاتب : بولينت كارديان أوغلو

ترجمة : أميمة الزمراني 

أنا نائم

(أنا نائم، لا تزعجوني من فضلكم)

قبل الاستيقاظ، كنت أطبق حرفيا كل ما تعلمته من أسلافي، أصبحت إنسانا نموذجيا، مارست العمل الذي اختاره لي والدي، كنت أذهب في الساعة الثامنة صباحا إلى عملي، وفي المساء أعود إلى بيتي. أسست العش الزوجي الذي أريد مني أن أنشأه، وعشت حياتي في كد واجتهاد، اشتغلت أكثر من الجميع. أصبحت ذلك الإنسان الذي وصفه المجتمع بالمثالي. ولم أتردد يوما في أن أشارك كل من حولي حبي ووفرة ما عندي وكل ما أملك وكل ما جاهدت لأحصل عليه

عندما كانت تمضي حياتي هكذا، حاولت دائما أن أدقق في تفاصيل الحياة الصغيرة، أحيانا كنت أتمعن في حياة الناس ثم أتمعن في حياتي وأقول: أنا لم آت لهذه الدنيا من أجل أن أدرس وأحصل على شهادة، وأطرق بابا تلو الآخر من أجل الحصول على وظيفة، وأحاول إرضاء الجميع إلى آخر يوم من عمري، ثم أتقاعد لأنتظر اليوم الذي سأموت فيه

مع الأسف كنت أصغي لما يقوله الآخرين أكثر مما كنت أصغي لنفسي. كنت أضعهم في المقدمة، إلى درجة أنني أدركت أنه بقدر تعاظم مكانتهم عندي أهملت نفسي

وفي يوم من الأيام سألت نفسي

"ماذا أفعل من أجلي أنا؟"

الجواب

"لا شيء"

حينها أدركت أنه يجب علي القيام بشيء من أجل نفسي

لكنني لاحظت أن الجمل التي تبدأ ب " أنا"  تنطوي على نية سيئة. الكل أعطى لكلمة أنا معنى سيء. قالوا أن "أنا=الأنانية!". قيل لي منذ طفولتي أن الأنانية صفة قبيحة. مخافة من "ماذا سيقول الناس؟" استحييت دائما من القيام بشيء لنفسي. لأنني كنت أعتقد أن ذلك شيء سيء. كالعادة أصغيت لمن حولي. جعلت من شعري مكنسة، جعلتهم يأكلون فلم آكل، جعلتهم يشربون فلم أشرب، أعطيت كل ما بيدي وجيبي، لأنني كنت دائما أسمع أن العطاء فضيلة والأخذ عيب، لذلك أعطيت ولم أستطع أن آخذ، حياتي  استمرت داخل هذه الحلقة

عندما تلقيت في يوم خبر وفاة أحد معارفي، تساءلت لأيام عن سبب مجيئي لهذه الدنيا. لكن بعد مدة عدت إلى روتيني المعتاد. قمت بكل شيء كي أتفادى البقاء وحيدا وجها لوجه مع نفسي، من أجل ذلك خلقت عدة انشغالات، لم أكن أدرك حينها أنني كنت أهرب من نفسي. واستمريت ( كما هو الشأن بالنسبة للأشخاص النائمين) في إحاطة نفسي بكل ما يجعلني أحس بالأمان. لم يكن مهما بالنسبة لي أن أكون سعيدا في مكان عملي، الأهم كان أن أحصل على راتب وتأمين تقاعد مضمونين

كنت أقدم تضحيات في كل شيء، كنت معطاءا. كنت أول من يدخل مكان العمل وأخر من يغادره. كنت أحرس بشدة في عملي على ألا تبدر قطرة ماء واحدة وألا ينار مصباحا هباءا. كلما لمحت نفايات أسرعت لوضعها في القمامة ، وانتظرت دائما من الجميع أن يبدون مثلي نفس الإهتمام

كنت أول من يلتحق بالعمل صباحا وآخر من يغادره مساءا، لم أكن أسترح ظهرا، وكنت أتناول طعامي في ثلاث دقائق، أما عن المرحاض فكنت أعض على أسناني وأقول" ليس الآن"، كان راتبي دائما هو الأقل

لاحظت أن الناس الذين لا يهتمون لشيء يصلون إلى مراتب أحسن. كنت كلما انزعجت من وضعيتي وأردت أن أطالب بحقوقي، من خوفي لم أكن أتمكن حتى من مفارقة كرسيي، فأستمر في الجلوس. كنت أقول لنفسي "لدي راتب مضمون، لا يجب أن أخسره"، لأنه كان دائما يتردد بداخلي ما تقوله عائلتي ومن أحب :"لا تتكلم، قم بعملك، لا تكترث لما يقوله الغير اهتم فقط بأخذ راتبك، هل تعلم كم عدد العاطلين عن العمل في وقتنا هذا؟ " لذلك لم أتمكن يوما من التعبير عن العصيان الذي بداخلي

كنت أقول " ليكن... ليس في وسعي أن أفعل شي.... هناك من هم في وضعية أسوء من وضعتي!" ومع أنني كنت أعلم أنه بوسعي أن أكون في وضعية أحسن لم أكن أحرك ساكنا لتحقيق ذلك.  " في هذا الزمن الكل في نفس الوضعية، الكل يعاني، هناك الكثيرون يعيشون نفس ما أعيشه..."  كنت أحاول أن أختلق من الأفكار ما يمكنه أن يقنع ويريح ضميري

استمرت حياتي على هذا الحال لسنوات. كلما حاولت أن أنتقد وضعيتي كنت أستمر في النوم قائلا  اصمت، اجلس، قم بعملك

كنت دائما أصادف الكتب والبرامج التلفزيونية المتعلقة بالإدراك والتطوير الذاتي. أحيانا كنت أصادف على الإنترنيت جملا مثل " أعط قيمة لنفسك، طور ذاتك". بعض هذه الجمل قمت بمسحها حتى قبل أن أقرأها، وكنت أنظر إلى البعض الآخر قائلا : "هذا هراء، لا يمكن أن تكون الحياة بهذه السهولة، إنها فخاخ النقود! أهذا يعني أنني إذا فكرت بطريقة إيجابية ستمتلئ بطاقتي البنكية نقودا وستكفي لأداء ديوني؟ هل سيختفي من محيطي حسد الناس ونزواتهم وزنهم؟" مستمرا في الإصغاء لما يقوله من حولي صدقت أن الحياة صعبة. للحياة حقائق،  يجب أن أتعايش معها ولا يجب أن أنسج أحلاما واهية

كنت أصدق أن الأغنياء محظوظين، وأن الناجحين من الناس حققوا نجاحاتهم بواسطة المال وتدخل الغير. لقد كان حقا أغلبهم هكذا. كان يتضاعف غضبي الدفين تجاه المال والفقر يوما تلو الآخر، وبدأ ينعكس غضبي هذا على حياتي الشخصية

وعلى ذكر حياتي الشخصية، كنت أقول " كن متساهلا،  اصبر، دبر أمورك. الأهم أن يتقدم القارب. هل من السهل في زماننا هذا إنشاء عش من جديد؟ هذا يحدث في كل العلاقات..." كنت أتمسك بقناع السعادة وأنا بداخل كذبة كبيرة

بدأت بعدها تتوالى أحداث جعلتني عديم الحيلة وقادتني إلى مشاكل مادية، لكنني ظننت في البداية أن الأمور ستعود إلى نصابها الطبيعي فما علي إلا أن أعمل أكثر ولساعات إضافية، أي أن أضحي أكثر، قائلا  ستمضي هذه المشاكل مع مرور الزمن

كلما كنت أحاول أن أتخلص من هذا الوضع، كنت أغرق أكثر فأكثر. كنت عنيدا. كنت دائما أقول " أنا أعلم، باستطاعتي أن أفعل..!". أحيانا كنت أقبل ما يقوله الآخرين وأنفذه بدون سؤال

من أجل حماية قلعة الأمان التي أسستها من خلال ثقتي في شبابي واجتهادي، دخلت كجندي في صراع مع الحياة. واجهت الرياح القوية وتحملت، كنت أظن أنني أتصرف كالأبطال. بسبب عنادي لم أتجرأ على أن أخطو خطوة إلى الوراء. كنت حزينا متعبا بدون أمل مغلوب على أمري. لكن القناع الذي بوجهي كان يظهرني قويا سعيدا، إنه القناع الذي يجعل من الشخص يبدو وكأنه قادر على السيطرة على كل شيء

كان هناك الكثير من الأشياء بالرغم من أنني لم أكن أقبلها إلا أنني كنت أقول بداخلي" اصبر، دبر الأمر.." لكنني كنت قد وصلت آنذاك إلى مرحلة لم يعد بإمكاني فيها أن أصبر على شيء

كل ما حاولت أن أضعه تحت سيطرتي انفلت منها، الصرخات بداخلي تحولت إلى غضب شديد. وبسبب الغضب الذي تعاظم بداخلي، بدون أن أدرك أصبحت أؤذي من حولي. رغم أنني طبقت حرفيا كل ما تعلمته لسنين النتيجة التي وصلت لها لم تكن مرضية للغاية

بذلت مجهودا كبيرا حتى لا تسقط الأقنعة التي على وجهي. تعبت من التظاهر بالقوة وأنا بداخلي مهزوم. والغريب فعلا هو أنني عندما كنت أتمسك بمظهر القوة وأختبئ وراء قناعي، كأنه كانت هنالك قوة خفية تضربني

ما كان هذا الشيء؟ لم أستطع أن أفهم... أنا شخص صادق، طيب القلب، أؤدي عباداتي، أكتم غيظي وأحزاني حتى لا أحزن أحدا، أفعل ما بوسعي لكي لا أتسبب في إيذاء أحد، كيف يمكن للشخص الذي ينعته المجتمع بالمثالية أن يفقد السيطرة على كل شيء؟ لم أفهم ما كانت هذه التجربة آنذاك.بالرغم من مجهوداتي المتواصلة ظللت أشعر بالنقص

كنت أخاف كثيرا أن يسقط قناعي، تمسكت به أكثر فأكثر... كأنني أصبحت شخصان: "أنا" الذي أظهر خارج قناعي، و "أنا" الذي بداخلي على وشك الجنون أصرخ " هذا يكفي"

كنت عنيدا إلى درجة أنني اخترت دائما الأصعب. وكأن السبيل الوحيد لإثبات ذاتي هو تحقيق ما لم يستطع غيري تحقيقه. كنت أحاول من خلال ذلك أن أجعل الآخرين يشعرون بوجودي وبقيمتي. " المال لا يجنى بسهولة، الخبز نزل من فم الأسد إلى معدته، المال لا يسقط من الشجر، الكثير من المال لا يأتي من الحلال" كل هذا العبارات كانت محفورة في ذهني

كل ما علم لي طبقته بالحرف. كل ما أرادته عائلتي ومجتمعي! كنت أظن أنني إذا قمت بما يريدون سيحبونني أكثر . على اعتقاد أن العيش من أجل نفسي أنانية، عشت دائما من أجل الآخرين

لكنني لاحظت أنني في الهاوية

قالوا: الرجل لا يبكي

فلم أبكي

قالوا :  الرجل قوي

فصرت قويا

قالوا:الرجل عمود البيت

فصرت عمودا

لكن ذلك العمود هوى في نهاية المطاف

ذلك الرجل القوي كان قد تعب من الصفعات المتتالية التي وجهتها له الحياة، كل ما تمسك به وحاول أن يخضعه لسيطرته تساقط مثل أوراق الخريف

أحسست بالوحدة وكنت يائسا. بكيت ليال طويلة، لم أظهر لأحد. الحياة كانت صعبة جدا، كل ما تعلمته وطبقته لم يحل دون أن أسقط في الهاوية

أردت كثيرا الرحيل عن هذه الحياة. لأنني كنت بداخلي فاشلا، ناقصا وبدأت أحس أنني لست محبوبا. لم أكن أصلح لشيء، لم تكن لي أية قيمة. كلما أحسست بهذا تضاعف غضبي، وكلما غضبت كنت أعيش من جديد نفس الأحداث. وإن كانت الأماكن والأشخاص مختلفين فإن الأحداث والنتائج كانت نفسها

في البداية لم أفهم ما كنت أعيشه. لم يكن بيدي أن أفعل شيئا، كنت في الهاوية. ما كنت أعلمه لم يفدني في شيء! لم يكن لي مكان أذهب له. أنا من يؤمن إيمانا قويا بالخالق، تمردت في لحظة عليه هو أيضا

لماذا أنا ؟

  

على الرغم من فعلي الخير، وكوني صادق ومجتهد، وأدائي عباداتي، ومشاركتي كل ما أملك مع الناس، لماذا أنا؟

عندما خطر الموت على بالي مرة، رفعت رأسي إلى السماء صارخا

لماذا أنا؟

"خذ هذه الروح أو أجبني، لأجل ماذا جئت لهذه الدنيا؟"

طرحت هذا السؤال مرارا وتكرارا

في وقت شدتي لم يكن حولي أحد. من جعلت شعري مكنسة لهم، كأنهم اختفوا. ليسوا حولي أبدا! كنت وحيدا

كل ما كنت أملكه فقدته. انفصلت عن عملي، خربت حياتي الزوجية، وكان علي دين كبير. فقدت ثقتي في الناس وخالقي. كأنني كنت أمسح من هذه الدنيا وأخرج منها. وقعت في الهاوية، كان ذلك قاسيا جدا

كنت غاضبا من الناس ومن نفسي ومن خالقي. كان علي أن آخذ قرارا. فقررت أن أجد جوابا لسؤال " لماذا أنا ؟"

  

أولى خطوات الاستيقاظ

 

أولى خطوات استيقاظي لم تكن مقصودة، ما عشته من أحداث جعلني يائسا فوجدت نفسي في هذا الطريق. لم يكن بودي أبدا أن أكون في هذا الوضع.  كنت يائسا لدرجة أنه لم يكن بوسعي فعل شيء

لكي أنقذ نفسي من هذه الورطة بدأت بالبحث

لماذا أعيش هذه الأشياء؟

هل يوجد من هم في نفس وضعيتي؟

أم أن القوة الخارقة الوحيدة في هذا العالم التي تجلب لنفسها ما تخاف منه هي أنا؟

من خلال البحث بدأت ألاحظ أشياء. المعلومات التي كنت أنعتها بالتافهة في السابق عندما كان كل شيء على ما يرام ، وكنت بمزاج جيد وكان جيبي ممتلئ مالا، أي في الفترات التي كنت أشعر فيها بالأمان، وكنت أعرض عنها، بدأت شيئا فشيئا تثير اهتمامي

وبدأت كالعديد من الأشخاص أبحث محاولا إيجاد مخرجا لضيقتي وإنقاذ نفسي وإصلاح علاقاتي وجلب الوفرة والخير

قرأت فقرأت، ثم قرأت فقرأت! أحيانا كنت أجد المعلومات التي أقرؤها متناقضة مع بعضها البعض. بعدها بدأت أحضر ندوات. البعض كان يتحدث عن "الإستيقاظ"... قائلا "استيقظوا..." "أدركوا"... " هذا سهل".. خطوة خطوة.. والباقي سيتوالى

كنت أقول " كم يبدو من السهل قول هذا !" . من الواضح أنه بمزاج جيد، إنه شخص ناجح ولا يعاني من مشاكل مادية. لكن على خلافه أنا لم أكن كذلك. من السهل على الشخص الناجح أن يخرج ليتحدث إلى الناس. كنت أردد بداخلي : من الواضح أن وضعيتك جيدة، لا ينقصك المال، لو كان لدي بقدر ما لديك لتجولت أنا أيضا من ندوة لأخرى. كنت لأدرس ثم أخاطب الناس مثلك في الندوات، لو كنت محظوظا لكنت أنا أيضا ناجح

اقترضت في ذلك الوقت حتى ثمن حضوري تلك الندوات! كنت أردد بداخلي طوال مدة الندوة وبعدها " لا تكن أبله، الحياة صعبة، لا تصدق ما يقولون، للحياة حقائق، هذه فخاخ يريدون كسب المال من ورائها..." لأنني لم أستفد شيئا، كنت أتحدث بسوء عن الندوات لكل من يسأل عنها

لم تكن لي الشجاعة الكافية ولا القدرة المادية

كان العديد من الناس يأتون للندوات، وكلهم كانوا يطرحون أسئلة متشابهة. وما كان مثيرا للإهتمام أن السؤال المشترك الذي يطرحه كل من قابلتهم هو لماذا أنا؟

استغربت.  يبدو أنني لست الوحيد. هناك من هم مثلي سقطوا أرضا ويحاولون استرجاع القوة

كان الوقت يمضي بسرعة. فوائد ديوني كانت ترتفع بشكل مهول، كنت في مأزق لا مخرج منه. بدأ البنك يرسل لي أوراق الحجز. أين كان أصدائي الذين وزعت عليهم أموالي ؟؟؟

كنت أدعوا أن لا يمضي الزمن، وأن لا يحل تاريخ الوفاء بديوني، لكن الوقت عاندني فمضى أسرع فأسرع. كأن كل شيء كان يعمل ضدي. ما أن يبدأ الأسبوع حتى أجد نفسي في يوم الجمعة! على هذا الحال لم يكن من المستحيل أداء ديون البنك فقط، بل إنه كان من المحال أداء حتى ديوني التي كانت دون فوائد!! كبرت ديوني فصارت مثل الجبل، وكنت أنا أسحق تحته... علاوة على ذلك كنت أكتم ما أمر به حتى لا تنزعج عائلتي. عندما كان أحدهم يسألني " كيف حالك؟" كنت أرد " بخير". لم يكن يعلم بما في داخلي سوى أنا وربي

في هذه الفترة لاحظت لأول مرة أنني لو احتفظت لنفسي فقط بواحد من عشر ما قدمته للآخرين وما وزعته عليهم من نقود لم أكن لأصل لهذا الوضع. لم يكن لتكون علي ديون، لم يكن لتهدم أسرتي، كنت لأكون في وضع أفضل لا جائعا ولا مقهورا

في البداية عندما صادفت هذه المعلومات كنت أجدها غير متوافقة مع ما أعلمه . كنت أبحث وأنتقد في نفس الوقت.  كنت أعلق غاضبا" إعطاء الأولوية لنفسي؟ هل هذا يعقل؟ لا يمكنني أن أكون أنانيا هكذا! بالطبع عائلتي وابنتي ومن أحب هم أهم مني" . كنت أعرض عن ذلك قائلا " أهذا ما تعلمناه من أسلافنا؟ هل هذه هي التربية التي أخذتها عن عائلتي؟" لم أطبق ذلك بل إنني لم أفكر به حتى

مضيت في القراءة والإكتشاف، لكنني كنت أعيش بداخلي صراعا بين معلوماتي السابقة والجديدة . كان الأسبق بالنسبة لي هو ما ترعرعت عليه، وما تعلمته من عائلتي وما كان يتوافق مع معتقداتي الدينية.  كنت أقارن كل معلومة جديدة مع معلوماتي وتجاربي القديمة. فكان يكبر الصراع بداخلي. كانت معلوماتي القديمة والحديثة بمثابة قطبين متناقضين

جانب مني كان يقول نعم، والآخر يقول لا. بسبب خوفي، لم تكن لي الشجاعة لأخوض تجارب جديدة. لأن كل ما لمسته في تلك الفترة أصبح يابسا، كان كل شيء يمشي بالاتجاه المعاكس. لم تكن لتنفع محاولاتي في شيء. خفت كثيرا من الفشل. كان علي أن أتغير

:كنت أقلق من رد فعل الناس إذا ما تغيرت " ماذا سيقول الناس؟" بداخلي صوت كان يقول كيف ستتغير في هذا العمر؟ هذا هو طبعك، لتتخبط قدر ما شئت فإن مصيرك محتوم. اعرض عن هذا وكن واقعي. الحياة حقا صعبة

أصبحت يائسا من جديد، لم يكن لي مكان لأذهب إليه، لم يكن لي عمل لأقوم به، لم يكن لي ميناء لأرسو فيه. كنت داخل حلقة مفرغة

خفت خوض تجربة جديدة، لكن لم تكن لي فرصة أخرى! كل ما تعلمته إلى حدود اليوم طبقته مرارا وفشلت مرارا وتكرار. لم يبقى لي اختيار آخر سوى أن أطور ذاتي وأنظر إلى الحياة نظرة جديدة. لقد أضاقت الحياة علي الخناق

في هذه المرحلة، عندما كنت أتذكر الماضي ويتجدد غضبي، كنت أردد بداخلي محاولا تهدئة نفسي: لقد قمت في ما سبق بكل ما طلب منك القيام به، جعلت من شعرك مكنسة، اشتغلت كثيرا. ماذا يوجد بيدك الآن؟ صفر عملاق

كنت أعتقد أنه من الضروري أن أتغير. في البداية قلت : لأكن شريرا! بدون رحمة، لا مباليا بأحد سوى بنفسه وجيبه! لأكن أنا في وضع جيد وليحل بغيري ما يحل، هذا لا يعنيني..." هذا لأنني كنت أعتقد أن الأشرار هم المحظوظين 

لكن هذا لم يكن من خصالي. حتى لو جربت فأنا كنت متأكد أنني سأفشل في ذلك. حتى لو كنت محطما وغاضبا إلا أنه كان لا يزال بداخلي حب كبير تجاه الناس وخالقي

كنت أعاتب نفسي قائلا: "إذا لماذا تخاف؟ ما الذي تبقى لك ؟ ما دامت تضحياتك تجاه الآخرين وانتظار تقديرهم لم يجد نفعا، ما الذي تنتظره بعد؟ جرب ولو لمرة واحدة أن تقدر قيمة نفسك بنفسك. اعط لنفسك ولو قليلا مما أعطيته طوال حياتك للآخرين... فلم يبقى حولك شخص تفعل ذلك من أجله... رحل الكل!!!" كنت بذلك لأول مرة أواسي نفسي وأشجعها

عندما أعدت التفكير فيما تعلمته من جديد لاحظت أنني أجذب نحوي كل ما أخافه. ما كان هذا؟ هل هو نوع من القوة؟ كيف ذلك؟  كيف يتحقق كل ما يدور في ذهني ؟ لقد لاحظت فعلا أن كل ما خفته في السابق تحقق، كل ما يأتي ببالي يصبح حقيقة في حياتي

حرت من جديد. لو كانت قوة ما هي التي تحقق مخاوفي

فما هي هذه القوة؟

كيف تعمل؟

كيف يمكن أن أعكس نتائجها؟

 بدأت أتساءل:  إذا كان ما أخافه يتحقق، فهل سأستطيع إذا ما فهمت هذا النظام، أن أجذب نحوي أشياء أفضل؟ هل يمكن أن أحول كل ما عشته إلى ضده؟

اكتشفت شيئا مثيرا للإهتمام: كلما تساءلت حصلت على أجوبة لأسئلتي. كلما جاء ببالي سؤال، كنت أجد جوابه سواء في برنامج إذاعي أو تلفزيوني أو من حديث الناس المحيطين بي، أو حتى على اللافتات. كان هذا لا يصدق

كنت في أول الأمر أعرض عنها وأقول أن الأمر ليس إلا صدفة

لكنني لاحظت أن الأجوبة التي تأتيني أصبح عددها يفوق مجرد الصدفة. كأن شيئا ما كان يحدثني من خلال إشارات. في البداية خفت كثيرا وتساءلت :ماذا يجري؟ هل أصاب بالجنون؟ 

بغرابة الأمر، رأيت أنني بدأت أجد أجوبة لكل الأسئلة التي كانت عالقة بذهني.. هل كان هذا تغيير ؟ هل التغيير يتم بهذه الطريقة؟

في كل الأبحاث التي قمت بها كنت أجد هذه الجملة تتكرر "آذنوا لأنفسكم بالتغيير" ، لقد بدأت الأمور تنكشف

لا أعرف كيف سأفعل ذلك، لكن هناك أشياء قد خرجت فعلا عن سيطرتي وبدأت منذ مدة  تعمل

كلما آذنت لنفسي بالتغيير أكثر بدأت حقا تتغير بعض الأشياء في حياتي شيئا فشيئا

نعم

لقد كانت الحياة قاسية جدا معي من أجل أن أستيقظ... أخذت مني كل ما تمسكت به وأجبرتني على هذا

كانت الحياة تقول لي : ابحث لتدرك من تكون

En güncel gelişmelerden hemen haberdar olmak için Telegram kanalımıza katılın!