الجزء الخامس من كتاب: لغة الكون الإلهية. الصفح عن النفس

الجزء الخامس من كتاب: لغة الكون الإلهية. الصفح عن النفس

مقتطف من كتاب: لغة الكون الإلهية.. الإستيقاظ

للكاتب: بولينت كارديان أوغلو

ترجمة : أميمة الزمراني 

 

 

كنت أعتبر نفسي أحيانا ضحية، وأحيانا أخرى كنت أسعى لأكون على حق. لم يخطر ببالي أنني قد أخطأ أو أظلم أحدا. كنت أحيانا أشغل نفسي مدة طويلة بأشياء تافهة فلم أدرك حينها أنني كنت ألحق ضررا بنفسي ولم أقبل الإعتراف بأنني كنت السبب في ما أعيشه

لكل حدث عشته أنتجت طاقة مختلفة. في بعض تلك الأحداث كنت سعيدا، وفي بعضها كنت حزينا، بكيت في بعضها وضحكت في بعضها الآخر. عندما تمعنت في الماضي، وجدت أنني مررت من فترات صعود ونزول. صعدت حينا ونزلت بعمق حينا آخر. صعدت من جديد، وما أن قلت "ها أنا ذا ارتحت، وتجاوزت هذه المشكلة " حتى تعطل شيئا في حياتي ونزلت مرة أخرى. كلما تصلح شيء انزلق أخرا من يدي كالصابون. لماذا عشت كل هذا؟

عندما أمعنت النظر في ما وصلت له من نتائج، وجدت أنني غضبت من نفسي بسبب كل الخيارات التي قمت بها ( العمل، الأصدقاء، الزوجة أو الحبيبة ). ما أظهرته من ردود أفعال تجاه الآخرين كانت في الحقيقة تعكس غضبي تجاه نفسي

كلما غضبت من نفسي أبعدت عنها طاقة الخالق النقية الصافية. كنت أخرب حياتي بيدي. هل يمكن أن يخرب الإنسان حياته بإرادته ؟

ما كنت أشعر به من غضب تجاه نفسي، كان يؤثر سلبا على أفكاري وما أنشره من طاقة، دون أن أدرك ذلك. لذلك فحتى وإن كنت إيجابيا، وعفوت عن الجميع ، فإن عدم الصفح عن نفسي كان يؤثر سلبا على حياتي. لأن هذه الطاقة السلبية، كانت تعدم الطاقة الإيجابية التي كنت أحاول نشرها. عندما فكرت، أدركت أن مسامحة الناس والأحداث وتطبيق كل ما تعلمته هو في الحقيقة غير كاف. أهم ما في الأمر هو ما كنت أنتجه من طاقة تجاه نفسي

لأكن إيجابيا ولأكرر تأكيداتي الإيجابية قدر ما استطعت، ولأطبق كل ما تعلمت من تقنيات فلن ينجح الأمر أبدا. لأنني لم أتقبل نفسي على طبيعتها، ولم أسامحها بعد

تقبل ذاتي ومسامحتها شيء أساسي. إنه ذو أهمية بالغة. فحتى أتكمن من تقبل الآخرين وتقبل ما عشته من أحداث يجب أولا أن أتقبل ذاتي وأسامحها

حينما أدركت أنني عطلت مسار تطوري بأفكاري السلبية لم أر النوم لأيام عديدة. في البداية عوض أن أصفح عن نفسي، قمت بعكس ذلك. غضبت منها أكثر هذه المرة. دخلت في صراع معها وكنت أكرر بداخلي " لماذا أهدرت كل هذه السنين  ؟" عدت من جديد إلى نقطة الإنطلاق

هذا يكفي ! ما إن أصلحت أمرا حتى ظهر آخر في حاجة إلى الإصلاح. ألا توجد طريقة أسهل للقيام بذلك؟ ألا يوجد زر لأضغط عليه فيتحقق كل ما أريده من مال وحب وسعادة وهناء 

موجود ! لكنني لم أعلم بوجوده إلا بعد فترة طويلة من ذلك... كنت أتقدم عبر طرق طويلة لأنني اخترت دائما الصعب

بدأت بالبحث من جديد. فعلمت أن أخطر الأمور تتحقق بما يشعر به الإنسان تجاه نفسه من غضب ويأس. فكرت حينها أنه "يجب أن أسارع لمسامحة نفسي " . تشوش عقلي من جديد، فأنا لم أكن أعرف كيف سأتمكن من ذلك. لكنني فهمت فيما بعد، أن ما يحدث في عقلي من وشوشة مسألة طبيعية ليعيد العقل ترتيب حساباته من جديد

حينما كنت منشغلا بالتفكير في كيفية تحقيق ذلك، خطر ببالي في أول الأمر أن أطبق ما تعلمته من تقنيات

قررت أن أجرب ذلك. فطبقت التأكيدات التي استخدمتها في السابق لمسامحة الآخرين وكررت لمرات عديدة : أنوي أن أسامح نفسي

في البداية بدأ صوت بداخلي يلومني " لو لم تقل ما قلته ما كان ليغادر ذاك الشخص حياتك. لو لم تكن ثقتك عمياء بهم لما خدعوك. لو لم تتخذ ذلك القرار لما طردت من عملك. لو لم تكفل ذلك الشخص لما كنت الآن ملزما بأداء دينه...." . ضايقني هذا الصوت لدرجة أنني تساءلت لمرات " هل من الممكن أن يصمت هذا الصوت إذا ما ضربت برأسي على الحائط؟" حمدا لله أنني لم أفعل ذلك

كررت التأكيدات الإيجابية دون توقف وبانتظام، لأتخلص مما يدور ببالي من أفكار. فلاحظت أنني إذا لم أتنفس بعمق عن طريق أنفي فإن التأكيدات لا تنفع في شيء ! لذلك بدأت آخذ شهيقا وزفيرا عميقين من أنفي وأنا أردد تأكيداتي. إلى جانب ذلك بدأت أكتب على ورقة بيضاء خالية من السطور كلما ما يدور ببالي من أفكار وكل ما يزعجني، ثم أمزقها وأرميها. وبذلك بدأت أتقدم خطوة خطوة في اتجاه الصفح عن نفسي. واستمريت في ذلك عازما دون تذمر

عندما كنت أتقدم في اتجاه مسامحة نفسي، كنت أتذكر أحيانا ما عشته في الماضي من سلبيات. فأغضب من نفسي من جديد كلما خطرت ببالي. وكنت أبدأ من جديد وكأنني داخل حلقة مفرغة

في نهاية المطاف وجدت ما كان يصعب علي الأمر: أكبر ما تلقيته من ضربات كان مصدرها من ضحيت أكثر في سبيلهم. لأنني كنت أنتظر مقابلا لتضحياتي. فتذمرت عندما لم يتحقق ذلك. أنا من اخترت أن أكون محبا للمساعدة ومعطاءا. انزعجت كثيرا لعدم تقديرهم ما قمت به من أجلهم. هذا ما جعلني أغضب من نفسي أكثر. تكررت تلك الأحداث بذهني عندما كنت أحاول الصفح عن نفسي. كأنه كان يخرج من داخلي وحشا فيشتد غضبي. كان من المحبط أن أواجه نفسي بما ارتكبته في السابق من حماقات. أنا من أذنت لهم باستخدامي. لو لم أكن قد آذنت بذلك لما تمكن أحدهم من معاملتي بهذا الشكل . عوض أن أقدر قيمة نفسي بنفسي، أعطيت قيمة لهم أكثر مما يستحقون مقابل أن يقدروا قيمتي

أنا من اخترت هذا، " اظهر لهم الإهتمام لتنل حبهم "، كان السبب وراء تفكيري هذا هو الإحساس بالدونية. لو اهتممت بهم سيسعدون وسيشكرونني مذكرينني بقيمتي. لكن ليس هذا ما حصل

أدركت أن مسامحة ذاتي أصعب من مسامحة الناس

لست مجبرا على رؤية وملاقاة من سامحتهم. لكنني كلما أنظر المرآة أرى نفسي. عند الحلاقة، عند تنظيف أسناني، عند مشط شعري كنت أتهرب من النظر إلى عيني. فعلت كل ما بوسعي لأتفادى مواجهة نفسي !  كنت أعلم أنه بإمكاني أن أتهرب من أي شيء في هذه الحياة، وبالفعل تهربت. لكنني لم أتمكن يوما من التهرب من نفسي. فأينما ذهبت أكون رفقت"ي".  استمريت في أبحاثي بإصرار

نجحت مع الوقت، في منع بقاء هذه الأفكار السلبية بذهني. ككل الناس، كانت تأتي ببالي من حين لآخر أفكار سلبية وذكريات من الماضي وهموم وقلق. لكنها أصبحت سرعان ما تختفي وترحل من ذهني بعد مجيئها. أصبحت كمقلاة التفلون تماما. لم يتمكنوا من الصمود

عندما أدركت الأمر بدأت أردد ما يلي : منذ اليوم الذي ولدت فيه إلى حدود هذا اليوم، أتقبل وأسامح كل من آذاني وحطمني وأكل حقي من أناس وأحداث. وأتقبل وأسامح أيضا كل اختياراتي وأخطائي وما أهدرته من الوقت فيما اعتبرته غير ذي فائدة

تتكون الحياة من اختيارات. كل ما يوجد بحياتي أنا من يختاره. أنا من اخترت عملي، والمكان الذي أسكنه، وكل شخص من حولي وأصدقائي. إذا نظرت للأمور بصدق سأجد  أنني أنا من اخترت كل ما عشته.  إذا لماذا أشتكي باستمرار 

لاحظت أنني كلما سامحت أحسست براحة أكثر. كأنني أتخلص شيئا فشيئا من ثقل غير مرئي. كلما سامحت ارتحت. وكلما ارتحت أحسست بتضاعف طاقتي. والغريب هو أنني كلما ارتحت ارتاحت بعض الأحداث أيضا.  قل جدلي مع الناس، ومع مرور الوقت اختفى كليا. أصبحت أستيقظ كل صباح في نشاط وحيوية

ليس هناك أجمل من أن أسامح الشخص الذي أراه كلما نظرت إلى المرآة. لأنني كنت سأرى ذلك الشخص على الدوام. أصبحت، كلما نظرت إلى عيني في المرآة كررت بصوت مرح: أتقبل ذاتي وأسامحها من أجل كل ما اخترته لحدود اليوم، كل ما اتخذته من قرارات وكل ما فعلته. لذلك أنا أتوقف عن اتهام نفسي من أجل ما عشته من سلبيات. أتقبل نفسي بكل أحوالها بدنيا وروحيا، أؤكدها وأحبها. عيش وانتهى 

في السابق كنت أقول " لو كان لي عقل مثل الذي لدي الآن... " أو  لو نصحني أحدهم  كنت أفكر قائلا " لكنت تفاديت كل ما أعيشه الآن !" لكنني عندما فكرت بمنطقية أدركت أنني مدين بعقلي الحالي وبتجاربي لما عشته في السابق من أحداث. هذا يعني أنني لو لم أعش ما عشته لما كان لي عقل مثل الذي هو لي الآن

أصبح جواب السؤال " لو كان لي عقل مثل الذي لي الآن هل كنت لأفعل ذلك ؟" هو أحب جملة إلي " كنت سأفعله ليكون عقلي مثل ما هو عليه الآن". المهم ليس ما حدث في السابق، لكن ما سأفعله بعد الآن. هل أتقبل كل ما عشته في السابق من أجل ما هو قادم؟ هل أسامح الآخرين ؟ هل أسامح نفسي؟ هل أنا جاهز لبداية جديدة؟ هل لدي الجرأة للقيام بذلك؟

توقفت عن الإهتمام بالخارج. قررت أن أتوقف عن التفكير فيما يفعله الآخرون، وما يرتدونه، ومايجري في حياتهم لأتعقب حياتي الداخلية بكل حب. لأنني، كباقي الناس، مسؤول بالدرجة الأولى عن نفسي

كل ما عشته ذكرني في هذه الحكاية

كان لملك إحدى البلدان بنت. كانت تعيسة جدا، وحزينة ويائسة، منغلقة على نفسها. لم تظهر الإبتسامة قط على وجهها. كان الملك حزين جدا على حال ابنته. فأراد، باعتباره أبا، أن يجد حلا لإسعادها. كان مستعدا لينفق كل ثروته في سبيل ذلك. فقال يوما " سأهب ثروتي لمن سينجح في رسم ابتسامة على وجه ابنتي" . توافد على باب القصر كل من سمع بهذا العرض من خبراء. جرب كل منهم ما يعلمه من تقنيات، لكن ابنة الملك بقيت منغلقة على نفسها، حزينة ويائسة. حزن الملك شديدا ويأس عندما شاهد فشل كبار أساتذة الدولة في مساعدة ابنته

في يوم من الأيام خرجت ابنة الملك من القصر للتجول. وارتدت ملابس قديمة حتى لا يتعرف عليها أحد واندمجت وسط الشعب. عندما كانت تتجول بالأزقة متخفية، وقفت أمام جزار. ورأت العديد من الخرفان والماعز معلقة كل من رجلها. اندهشت الفتاة لما رأته، وبعدها ضحكت بشدة. قالت :لا أستطيع أن أصدق ! كل خروف معلق من رجله

ففهمت أن كل ما تفعله هو في الحقيقة يعود لها وحدها. وبعد أن أدركت الأمر قررت أن تتوقف عن الإنغلاق على ذاتها . لأنها أصبحت تعلم أن كل خروف يعلق من رجله

انتظرت لسنوات أن أسمع كلاما جميلا من أحدهم وأن يحسسوني بقيمتي. فقط لأسمع وأحس بذلك جعلت من شعري مكنسة لهم لسنوات. وفي النهاية أدركت كم أنها حرية كبيرة أن أقول لنفسي تلك الكلمات الحلوة.  من أجل أن أملئ وعاء الحب الفارغ بداخلي بحثت خارجا عن الحب لسنوات كأنه قرص دواء. أما الآن فأنا أستطيع بداخلي إنتاج  الحب الذي أنا في حاجة إليه وأستطيع أيضا مشاركته من حولي

 إذا كان إبريق حبي فارغا، فكيف يمكنني ملء كؤوسك؟

 سامحت نفسي، أحب نفسي وأقدرها. عوض البحث عن الحب خارجا، أختار وأحب تعظيم الحب الذي بداخلي ومشاركته. ما أحلى وجودي في هذه العالم

En güncel gelişmelerden hemen haberdar olmak için Telegram kanalımıza katılın!