الجزء الثالث من كتاب: لغة الكون الإلهية. التقبل

الجزء الثالث من كتاب: لغة الكون الإلهية. التقبل

مقتطف من كتاب: لغة الكون الإلهية.. الإستيقاظ

للكاتب : بولينت كارديان أوغلو

ترجمة: أميمة الزمراني

  

في البداية كان التقبل بالنسبة لي أمر غاية في الصعوبة. كنت دائما أرى نفسي إنسانا طيبا ومن آذوني أشرارا. كنت دائما أترك لله أمر محاسبتهم قائلا "ليجازيك الله!" . في كل موضوع كنت أحاول أن أكون محقا وعلى صواب. كان من المهم جدا بالنسبة لي أن أكون محقا. لأنني بعد ذلك اكتشفت أنني كنت أخاف اللوم. والغريب أنني كنت دائما أجذب نحوي أناسا من هذا القبيل. أشخاص مثلي! كلهم حولوا أن يكونوا من يقول الكلمة الأخيرة وأن يكونوا على صواب. بالضبط مثل ما كنت أفعل! أما أنا فكنت دائما ألومهم هم كانوا من " الأشرار" وأنا من الأخيار

في طفولتي ترعرعت على قواعد وقوالب واضحة، " أناس أخيار" ، " أناس صادقون"، "أناس ذووا شرف" ، " أناس كاذبون"، "سارقون"، "يفعلون الشر" كان يوجد بذهني عدة قوالب كهذه. ومع تقدمي في السن استقرت هذه المفاهيم أكثر فأكثر داخلي

كلما تقدمت في السن لاحظت أن هناك العديد من هذه المفاهيم والقوالب في جميع أنحاء العالم. تحدثت عدة ديانات وفلسفات عن "الخير"، وقد حاولت جاهدا أن أكون الإنسان النموذجي الذي وصفته. والمثير للإهتمام حقا هو كوني قد صدقت أنني قد نجحت في أن أصبح كذلك

عندما أمعنت النظر وجدت أنني لم أكن صادقا مع نفسي كما تصورت. دائما لمت الآخرين وانتقدتهم على كذبهم، ولم أتساءل يوما إذا ما كنت قد كذبت في مرة على نفسي؟

كم مرة خدعت نفسي يا ترى؟

لقد اعتقدت لسنوات عندما كنت أخدع نفسي أنني أتصرف عن حسن نية. كل ما عشته في تلك الفترة هو في الحقيقة لم يكن وليد اللحظة.  ما عشته من أحداث سلبية كان نتيجة أفكاري السابقة. ما أحصده الآن هو نتاج ما زرعته في الماضي عن طريق أفكاري. متى زرعته؟ قبل عدة سنوات

حان الأوان لأتقبل كل ما قمت به في الماضي سواء عن قصد أو عن غير قصد

من الممكن أيضا أن أكون قد آذيت أحدهم عن قصد أو بدونه. الله وحده يعلم كم مرة فعلت ذلك؟ تراني كم مرة خرجت عن دائرة " الإنسان الطيب" التي لا طالما افتخرت بانتمائي لها ؟

الآن أنا ألاحظ أنني تماما مثل العديد من الناس تحدثت دائما عن الصدق، ولم أكن صادقا تجاه نفسي. أصدرت أحكاما في حق من يكذب وأنا أكذب على نفسي لسنوات

كم مرت من سنة على قولي "سأمارس الرياضة" ولم أبدأ ممارستها بعد

كم مر من الزمن على قولي "سأبدأ الحمية الغذائية" ولم أبدأها بعد

كذبة ! بل إنها أكاذيب كبيرة

كان يتوجب علي أن أرى وجهي في المرآة حينما كنت أعتقد أنني مثالي والآخرين مذنبين. هدفي من هذا ليس توجيه اللوم لنفسي، ولكن مواجهتها

دون أن أدرك عزلت نفسي عن الآخرين، كانت دائما تدور في عقلي مفاهيم مثل "طيب، شرير"، "جميل، قبيح"، "ذكي، غبي"، "مجتهد، كسول"، "غني، فقير

أدركت شيئا آخر أيضا.  كلما صنفت فكرة داخل صنف معين، عشت أحداثا وقابلت أشخاصا من الصنف المضاد لها

تذكرت ما قالته الأم تيريزا قبل سنوات عندما طلب منها أن تنضم إلى مجموعة ضد الحرب، حينها أكدت أنها لن تكون ضد أية فكرة، وأنه إذا ما تم تكوين مجموعة للسلم ستنضم لها بكل تأكيد

أدركت أنني كلما كنت ضد فكرة ما منحتها القوة أكثر. لذلك كان من الضروري أن أتخلص من هذه القوالب العالقة في ذهني

الأهم في مرحلة التقبل والمسامحة هو أن أكون محايدا تجاه كل حدث، وأن أتقبل نفسي والآخرين دون شرط. كيف يمكن أن أكون محايدا؟ كيف يمكن لي أن أتقبل نفسي على طبيعتها؟

حتى أكون محايدا واجهت نفسي بداية. تقبلت فكرة أنني أنا من جذبت إلى حياتي بواسطة أفكاري كل ما عشته. لقد كان هذا أمرا شاقا. لكنني كنت قد توليت مسؤولية ما جنيته

ليفعل الناس ما يريدون فعله، عوض أن أبدي رد فعل يجب أن أتساءل عن السبب الذي جعلني أجذب حدثا ما نحوي

بدأت أفحص كل ما أعيشه بدقة، لكن ذلك كان أمرا صعبا، دائما كنت أتساءل "هل فعلا أنا من يجذب كل هذا؟"  فكنت أهدأ من روعي وأوجه تركيزي نحو الأحداث والأشخاص الأقرب لي، وكل من أقدرهم وأتواصل معهم باستمرار. يقول أسلافنا "الحجرة لا تأتي من بعيد". امتحاناتنا تكون مع أقرب الناس إلينا

خطيت أول خطوة في اتجاه تقبل كل الأشخاص ـ الذين عشت معهم في امتحان ـ على حالهم!  كانت هذه الخطوة مهمة بالنسبة لي

عندما بدأت أنظر للحياة من زاوية مختلفة، بدأت أدرك أن أغلب ما اعتقده صحيحا كان في الواقع خطأ، وأغلب ما اعتقدته خطأ كان صحيحا

هذا يؤكده ديننا أيضا : قد يكون شرا ما تعتبرونه خير، وقد يكون خيرا ما ترونه شرا

تساءلت عما عشته من أحداث بسبب أفكاري وطبقت ما يلي

بخصوص الأكاذيب: عندما يكذب علي أحدهم، أعود لنفسي قائلا " لماذا جذبت نحوي هذا الشخص؟ بخصوص ماذا كذبت على نفسي أو على غيري؟ " فبدأت بذلك أصلح ذاتي

بخصوص عدم التقدير: حينما لا تقدر قيمتي، أعود لداخلي متسائلا من الذي لم أقدر قيمته؟ هل أقدر نفسي بما يكفي؟

بخصوص الغيرة : عندما يدخل حياتي شخصا غيورا، أعود لداخلي متسائلا "تجاه ماذا أشعر بالغيرة؟ هل  أخلق لنفسي مشاكل تتعلق الغيرة؟

بخصوص المنافسة: إذا أراد أحدهم منافستي أو إذا كان أحد زملائي في العمل لا يطيقني تساءلت : ما الذي أتنافس حوله أنا؟  من أجل ماذا أتنافس مع نفسي أو غيري؟ 

بخصوص الإهتمام: إذا كان من أنا على علاقة به يريد مني أن أهتم به تساءلت هل أنا بحاجة للإهتمام؟  هل أهتم بنفسي بما يكفي ؟

بخصوص الجدالات : إذا كان هنالك شخص غاضب مني وعلاقتي به متوترة تساءلت " هل أنا غاضب منه بداخلي؟ تجاه من أنا غاضب؟ هل أنا في صراع مع ذاتي؟ "

بخصوص كثرة حركة الأطفال: إذا كانت ابنتي كثيرة الحركة غير هادئة تساءلت  هل الأفكار بداخلي هي أيضا كثيرة الحركة؟  هل أنا  منهمك في التفكير على الدوام؟

بخصوص عدم الوفاء بالوعود : إذا أخلف أحدهم وعدا قطعه لي تساءلت لأجل ماذا ومن واعدته فأخلفت؟

بخصوص القلق: إذا كانت أمي دائمة القلق علي تساءلت "هل أقلق من مستقبلي وعلى من أحب؟ من ماذا أنا قلق؟" محاولا التخلص من قلقي

بخصوص عدم اهتمام من نحب بنا : إذا أهملني أحد تساءلت :لأجل ماذا أهمل نفسي؟

بخصوص المسؤولية: إذا كان بحياتي شخص عديم المسؤولية تساءلت : لأجل ماذا أهمل تحمل مسؤوليتي؟

بخصوص النفاق: إذا كان أحدهم يتصرف مع الجميع بطيبوبة ويعاملني بسوء تساءلت : من الذي أنافقه ولماذا؟ هل أبدو سعيدا وأنا بداخلي حزين؟ هل تراني أنفاق نفسي؟

بخصوص البخل: إذا كان أحدهم كريما مع الجميع وبخيلا معي تساءلت : ما الذي تنازلت عن حقي فيه وقدمته للآخرين؟ بخصوص ماذا أؤجل نفسي؟ إلى أي حد أخاف الفقر؟

بخصوص واجبات الأطفال المنزلية: إذا أهملت ابنتي واجباتها تساءلت : لأجل ماذا أهملت واجباتي الدنيوية وأجلتها ؟ عوض أن أغضب منها حاولت أن أكون قدوة لها من خلال أداء واجباتي الدنيوية. وقد كان ذلك نافعا للغاية. أصبحت قدوة لها من خلال الفعل لا القول منطلقا من فكرة مفادها أن الأب الذي يتحمل مسؤوليته ينشئ ابنا مسؤولا

كنتيجة لكل هذه التساؤلات التي وجهتها لنفسي أدركت أنه كلما تقبلت الأحداث والناس على طبيعتها، بدأت تتقوى أحاسيسي من تلقاء نفسها فساعدتني بذلك على فهم ما يدور حولي من أحداث. بدأت أتخلص شيئا فشيئا من الثقل الذي يوجد بظهري

ما أجمل هذا الإحساس

شاركنا بكل حب، معلوماتنا بخصوص موضوع العلاقات بتفصيل في كتابنا :اثنان مكتملان يساويان واحد

 أنا الآن أتقبل الواقع، وأعلم أنني أنا من يجذب كل ما أعيشه، لم أعد أبحث عن المذنب في الخارج

توضح الفرق بين "أنا" كما كنت في السابق و "أنا" الذي أصبحته بعدما بدأت أتقبل وأسامح. مع مرور الأيام، بل وبمرور كل دقيقة بدأت أدرك أشياء جديدة

الحمد لله، والشكر لله

لم أتمكن فيما مضى من إيجاد الإتجاه الصحيح. كنت كجدع شجرة يتخبط في واد هائج. أو كورق شجرة تتلاعب به رياح الخريف

أما الآن فكلما طهرت ما بداخلي، ومع تغير طريقة تفكيري، بدأت ألحظ تغير ما أعيشه من أحداث، لقد كان هذا أمرا جميلا

في السابق لم تكن ابنتي تهتم بدروسها. لكنني عندما بدأت أهتم وأخصص وقتا لنفسي وألتزم بمسؤولياتي، بدأت ابنتي أيضا تهتم بأمورها. كنت دائما أقول لها "احضري واجباتك المنزلية لننجزها" لكن رغم ذلك كنا نضيع وقتا طويلا دون أن نتمكن من إتمامها لا هي ولا أنا كنا راضين عن الوضع. ففهمت أن ابنتي مثلي... ستهمل نفسها لإرضاء الجميع...  عندما غيرت وضعي أدركت أن وضع ابنتي بدوره بدأ يتغير

"عندما بدأت بالتغير، لم يتغير فقط ما أعيشه من أحداث، بل كل شخص حولي بدأ يتغير"

هكذا يعمل النظام

تقبلت ذاتي فساعدني ذلك على إنتاج طاقة أنظف وأحسن وأكثر راحة وصحة

أنا أستحق أن أكون سعيدا

أنا أستحق أن أعيش في هناء

أستحق أن أتمتع بصحة جيدة

أنا أتقبل نفسي وأحبها على طبيعتها

أتقبل الآخرين وأحبهم على طبائعهم

أنا في سلم مع الناس والحياة

أتحمل مسؤولية ما أعيشه بكل حب

كررت بداخلي هذه الجمل عدة مرات

لقد أخذ مني ترسيخ أسلوب التفكير هذا في ذهني وقتا طويلا. لم يكن أمرا سهلا. تمردت عن هذه الأفكار عدة مرات. لكنني بتكرار تلك الجمل نجحت، مع الوقت، في البقاء متوازنا

لكن حتى ولو كان التقبل والعفو قد ساعداني على إنتاج طاقة أفضل، إلا أنني في تلك الفترة واجهت بعض الصعوبات

كانت تدور بذهني صفات مثل " فاشل" " تافه" "ناقص" "يائس"، وقفت عائقا أمامي. مما جعلني أحس أنني ضحية. أحيانا كنت أرى نفسي أفضل من الآخرين، وأنني على صواب على عكسهم، فأضيع الطريق ثانية. كان من المهم بالنسبة لي أن أكون على قدم المساواة مع الآخرين. فكما لا أحد أقل قيمة مني، فإنه لا أحد أفضل مني

أدركت أنه يجب أن أتوقف عن تصنيف نفسي كإنسان مثالي أو كضحية. فمقام الناس ومراتبهم وغناهم ونجاحهم وكل ما يمتلكون لا يتدخل في تحديد قيمتهم كإنسان. كلنا متساوون. خاصة أمام خالقنا

كنت قد بدأت في تقبل ذلك. بمجرد أن نجحت في تقبل نفسي أحسست وكأنني قد تخلصت من حمل ثقيل

أحيانا كنت عندما أعيش حدثا جديدا ألجأ فورا لمعتقداتي وأحكامي السابقة، مما كان يعيدني إلى نقطة الإنطلاق. فجأة كنت أعتبر نفسي على صواب والآخر مذنب. في الواقع كان يجب علي أن أتساءل" ما الذي يجب أن تعلمه من هذا؟" لكن في البداية لم ينفع هذا التساؤل في شيء. إلا أنني لاحظت حينما طرحته أن السبب وراء جذبي تلك الأحداث إلى حياتي هو التمكن من رؤية نفسي ومعرفتها

من يخلقون لي المشاكل، ومن كنت أصفهم ب " الأشرار" هم في الواقع دخلوا إلى حياتي ليساعدونني على اكتشاف الجانب الخفي المظلم بداخلي.  هم في الحقيقة كانوا يعكسونني. كأنهم مرآتي.. فهمت أن كل من دخل حياتي مكنني من اكتشاف جانب في لم أكن أعلم، في الغالب، حتى بوجوده، كان بمثابة مرآة أمامي

فقد جذبت نحوي من افترى علي كذبا، نتيجة خوفي من الإتهام. يا له من وضع غريب

لاحظت أنني لم أتمكن من لم ما يدور بذهني. أديت عباداتي، ودعوت الله، لكن ما كان يدور في ذهني من أفكار سلبية وإيجابية لم يتوقف. تارة أكون متوازنا، وتارة أخرى أفقد التوازن كليا

بينما كنت منهمكا في التفكير بهذا الوضع، صادفت منشورا مضحكا على إحدى صفحات الأنترنيت

خرج شخص لأداء صلاة الجمعة، وأثناء الصلاة سأل من كان يصلي بجانبه: هل أنت مالك السيارة المعروضة للبيع الموجودة في الخارج؟" فأجابه من بجانبه " نعم أنا مالكها" فسأله من جديد " ما الثمن المطلوب؟" أجابه" سبعة آلاف ليرة" فرد عليه قائلا" دعني أفكر في الأمر "  مستمرين في الصلاة

بعد بضع ركعات سأله من جديد " هل يمكن أن تخفض السعر إلى ستة آلاف ليرة؟" فأجابه مالك السيارة" في الركعة السابقة بعتها للشخص الذي يصلي بجانبي الآخر بثمن ستة آلاف وخمسة مائة ليرة

في الحقيقة ليس هناك فرق بيني وبين الشخص في النكتة، لم أكن أركز أفكاري فكان يتشتت انتباهي ..  عندما أدركت الأمر أصبحت قبل أداء الصلاة أطبق تمرين التركيز من خلال التنفس بعمق من أنفي عشر مرات. كان ذلك نافعا للغاية. لاحظت أنني عندما كنت أعيش أمر سلبيا كنت آخذ نفسا قصيرا بواسطة فمي. فاكتشفت بعدها أنه حينما استبدلت التنفس من الفم بالتنفس من الأنف تخلصت من قلة التركيز وأصبحت قادرا على التركيز بسهولة

"إذا كانت الحياة تتغير بسهولة فقط بواسطة نفس، فأنا من الآن فصاعدا أختار أن أتنفس بواسطة أنفي..." في هذه الفترة، كنت قد بدأت أتخلص مما يدور في ذهني من أفكار سلبية من خلال إفراغها في ورقة بيضاء خالية من السطور ثم تمزيق الورقة ورميها

كنت قد استوعبت آنذاك أنه من الضروري أن أكف عن اعتبار نفسي مثاليا أو ضحية. فأنا مثل الآخرين. لا أعلوا أحد ولا أحد يعلوني. بدأت أتقبل ذلك

" أنوي أن أتقبل كل الناس وكل ما أعيشه بطريقة سليمة وسهلة"

En güncel gelişmelerden hemen haberdar olmak için Telegram kanalımıza katılın!